الاثنين، 24 يناير 2011

هل كانت احداث 11 سبتمبر تعتبر نهاية التاريخ

                                            بسم الله الرحمن الرحيم       




                             هل كانت احداث 11 سبتمبر تعتبر نهاية التاريخ


الافكار الرئيسية للموضوع
مقدمة
المنهج التحليلي
.نهاية التاريخ عند هيجل
.نهاية التاريخ عند فوكوياما
.حادث 11 سبتمبر بداية ام نهاية للتاريخ
.التحليل الحدثي والبنيوي لحادث11 سبتمبر
. العرب وعالم ما بعد 11 سبتمبر
الخاتمة
المراجع


المقدمة



فكرة نهاية التاريخ لم تعد موضوع مسائلة فلسفية و إنما أصبح موضوعا ثقافيا سياسيا طبعا الفكر العالمي الحديث  بناءا على التقلبات التاريخية و الثورات السياسية و الاجتماعية التي عرفها العالم , فقصة نهاية التاريخ حكاية رددها الكثير من الفلاسفة عبر التاريخ و اتخذت أوجه و اتجاهات مختلفة.
المجتمع البشري أمر نهاية التاريخ ومستقبل الأرض الأخير منذ زمن مبكر ، واختلطت في هذه المسألة ضغوط الواقع بالخرافة والتحليلات الوضعية الفلسفية، ويجمع التصوّرات كلّها جامع التطلّع الى مجتمع مثالي...
ففي نهاية القرن التاسع عشر كان كثير من الإنكليز، حسبما ينقل توينبي، يعتقدون أن التاريخ وصل إلى نهايته، وكان يشاطرهم في اعتقادهم هذا معاصروهم الغربيون من أهل الأمم الأخرى. (بمن في ذلك قسم من أهل الأمم المغلوبة على أمرها) ففي شمال الولايات المتحدة، على سبيل المثال، كانت الطبقة المتوسطة ترى أن التاريخ انتهى حين تملكت الأقاليم الغربية، وانتصرت الولايات الشمالية على الجنوب في الحرب الأهلية. وفي ألمانيا، أو في بروسيا على الأقل، كانت هذه الطبقة نفسها ترى أن التاريخ وصل إلى هذه النهاية الدائمة بقهر فرنسا وتأسيس الرايخ الثاني سنة 1871. 
(فيما بعد، أصبح التقدم العلمي الكبير الذي تشهده الولايات المتحدة والغرب عموماً، ومن ثم سقوط المعسكر الاشتراكي، مسوغاً كبيراً لدى عدد كبير من المثقفين الأميركيين والغربيين، لتبني الوهم الخادع بنهاية التاريخ بالنسبة لهم على نحو حسن وملائم بانتصار الليبرالية والرأسمالية ) .
إن مقولة نهاية التاريخ ليست مقولة جديدة، بل هي اجترار لمقولات دينية وفلسفية قديمة وحديثة. فهذه المقولة تعد من المسائل الحتمية المتجذرة في المعتقد الديني الذي ربط الزمان بالخلق الأول وبمصير نهاية الإنسان المحتومة؛ ولا غرو فقد وردت في كل الديانات السماوية كما هو الحال في اليهودية والمسيحية والإسلام، مجسدة بفكرة الفناء والانتقال إلى الدار الأخرى.


نهاية التاريخ عند هيجل



من خلال كل من الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية, وهما الثورتان الديمقراطيتان اللتان كسرتا نظام السيد والعبد , وأصبح بموجبهما التكافؤ بين أفراد المجتمع  هو السائد على حساب الصراع من أجل الاعتراف . فقد مكنت الثورة الفرنسية من تعويض الصراع من أجل الاعتراف وصراع السيد والعبد إلى علاقة التكافؤ والسيادة  الشعبية وسيادة القانون ,فصار الاعتراف شاملا ومتبادلا بين المواطنين باعتبارهم أناس يتمتعون  وبشكل متساوي بالكرامة و الحقوق والسيادة تكفلها لهم الدولة , وهذا الفهم للدولة هو الذي يقدمه هيجل في فهم الدولة الديمقراطية الليبرالية
   هذا الوصول عرفه الإنسان بفضل الاعتراف بوضعه كإنسان له كرامة من خلال الثورتين الفرنسية والأمريكية هو الذي يجسد نهاية التاريخ, فالنضال والصراع من أجل نيل الاعتراف الذي كان يحرك عجلة التاريخ قد بلغ منتهاه وحقق مبتغاه في مجتمع تحقق فيه الاعتراف الشامل والمتبادل , ولأن ليس هناك نظام سياسي أو اجتماعي أفضل يمكنه أن يحقق هذا الهدف على نحو أفضل خلص هيجل إلى القول بأن نهاية التاريخ تجسدت بعد الثورة الفرنسية في النظام الديمقراطي الليبرالي لأن ليس بالإمكان حدوث تطورات تاريخية بعد هذه الثورة     
فهيجل كان من الفلاسفة الذين آمنوا أن السيرورة التاريخية لا يمكن أن تتواصل إلى ما لانهاية وإنما لا بد أن تنتهي بفعل إنجاز تحققه المجتمعات الحرة في العالم الواقعي والذي تمثل في نظره في المجتمع الديمقراطي الليبرالي       
فالدولة الليبرالية قد انتصرت في العالم بأجمعه لأن مبادئ الثورة الفرنسية لا تقتصر فقط على تغيير الحالة السياسية والاجتماعية في فرنسا فحسب, بل عمت أوروبا بأكملها , بل إن مبادئ الحرية والمساواة عمت العالم بأسره, ولم يظهر أي تنظيم سياسي أو اجتماعي يفوق الليبرالية . وبذلك تصبح الليبرالية الديمقراطية حسب هيجل قد عوضت الرغبة الغير عقلانية في الاعتراف  بالدولة والفرد برغبة جديدة من أجل الاعتراف أساسها المساواة , وبالتالي إذا عم هذا التحول دول العالم,صار الحافز إلى الحرب أقل وطأة في ظل دول أكثر تجانسا , وبالتالي لم يعد ما يحرك عجلة التغيير في التاريخ وتجسدت نهاية التاريخ.                                                        


نهاية التاريخ عند فوكوياما


ذكر فرانسيس فوكوياما في مقاله الشهير "نهاية التاريخ" شارحا نظريته بالقول إن ما نشهده الآن ليس نهاية للحرب الباردة أو مرور فترة معينة لمرحلة ما بعد الحرب ، وإنما نهاية للتاريخ ، بوضع حد للافكار الايدلوجية في التاريخ الانساني وانتشار قيم الليبرالية الديمقراطية الغربية. تقوم نظرية نهاية التاريخ لفوكوياما والتي اختلفت الأراء حولها بين مؤيد ومعارض، على ثلاثة عناصر أساسية. العنصر الأول، هو أن الديمقراطية المعاصرة قد بدأت في النمو منذ بداية القرن التاسع عشر، وانتشرت بالتدرج كبديل حضاري في محتلف أنحاء العالم للأنظمة الديكتاتورية. العنصر الثاني في نظرية نهاية التاريخ ، هو أن فكرة الصراع التاريخي المتكرر بين " السادة" و"العبيد" لا يمكن أن يجد له نهاية واقعية سوى في الديمقراطيات الغربية واقتصاد السوق الحر. العنصر الثالث في نظرية فوكوياما، هو أن الاشتركية الراديكالية أو الشيوعية لا يمكنها لأسباب عدة أن تتنافس مع الديمقراطية الحديثة، وبالتالي فإن المستقبل سيكون للرأسمالية أو الاشتركية الديمقراطية.
وطبقا لنظرية فوكوياما، فإن الديمقراطية قد أثبتت في تجارب متكررة منذ الثورة الفرنسية وحتى وقتنا هذا أنها أفضل النظم التي عرفها الانسان أخلاقيا وسياسيا واقتصاديا. ولا يعني فوكوياما أن نهاية أحداث الظلم والاضهاد في التاريخ قد انتهت، وإنما التاريخ هو الذي أنتهى، حتى وإن عادت نظم استبدادية للحكم في مكان ما، فإن الديمقراطية كنظام وفلسفة ستقوى أكثر مما قبل. 
وقد انتقد فوكوياما لبناء نظريته على النموذج الأمريكي للديمقراطية الغربية، لكن مؤيدوه يدافعون عن نظرية نهاية التاريخ بالقول إن المنتقدين قد أساؤوا قراءة النظرية ، حبث يرى فوكوياما أن العالم سيشهد المزيد والمزيد من الحكومات الديمقراطية بمختلف أشكالها في السويد وتركيا والهند وغانا وفنزويلا. كما يتم التدليل على فشل نظرية فوكوياما من خلال تصاعد حركات وأفكار إسلامية في الشرق الأوسط أو نجاح الحركات اليسارية في أمريكا الجنوبية
وهنا توجد مجموعة من الملاحظات يمكن أن توجه إلى أطروحة فوكوياما في تكوينها الداخلي كمنظومة فكرية، نذكرها على شكل انتقادات عبر نقاط نعتقد أنها تشكل الحلقات الضعيفة في تلك الأطروحة ونوجزها في الآتي:
موض المصطلح
وفكرة النهاية في حد ذاتها تتسم بالغموض، إذ لا يشعر الفاحص لتأملات فوكوياما ما إذا كانت هذه النهاية أبدية أم نهاية تتلوها بداية، وهو ما اعتبره بعض الباحثين حلقة ضعيفة في تفكيره إذ كيف نقبل بنهاية ونحن لم نعرف بعد البداية الحقيقية. وإذا كان قد اقتبسها من هيغل فقد فاته أن الأخير أعلن فكرة النهاية تاريخيا مقابل البداية فلسفيا، وأن فكرة النهاية تنتمي للتاريخ دون أن تعلن طلاقا مع الفلسفة.
فما دام ثمة زمن وثمة أحداث تقع وتتابع فهل يمكن للتاريخ أن ينتهي؟ ثم وفق أي معيار، نصف حدثاً ما بأنه تاريخي، بينما نحجب هذه الصفة عن حدث آخر؟ وهل ثمة علاقة سببية وعقلية تربط بين الأحداث المتعاقبة وتدفعها للوصول إلى غاية ومستقر لها؟! لذا فإن مصطلح (نهاية التاريخ) ينطوي على مفارقة وعلى تناقض داخلي، كما يقول هنري لوفيفر. 


حادث 11 سبتمبر بداية ام نهاية للتاريخ



على الرغم من انقضاء  سنوات، ، على وقوع أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، واعتراف المحللين والمراقبين بأهمية الحدث وجسارة آثاره، وهول التحولات التي تلته على مستوى العلاقات الدولية وتاريخ النظم السياسية ذاتها. وبالرغم من تقاطر المعلومات والتقارير والشهادات التي حاولت رسم صورة المشهد السبتمبري، إلا أنه لم يحصل إلى الآن اتفاق في حدوده الدنيا أو المتواضعة، يستطيع صياغة تلك الأحداث وتبيان غاياتها ومسؤولية منفذيها، التي راحت تتقاذف وتستطير حتى أدينت الإدارة الأمريكية ذاتها وأجهزتها الاستخباراتية، محملة قسطاً وافراً من مسؤولية الفشل في التصدي لتلك الأحداث، وحتى التخطيط لتنفيذها، كما يرى ذلك بعض المحليين؟.
متجاوزاً الأسئلة المطروحة آنفاً، ومواجهاً ما تلا ذلك من تداعيات وملابسات، يتساءل (برهان غليون) في كتابه الجديد عن مدى أهمية الحدث السبتمبري، ومفصلية موقعه في التاريخ العالمي، ودوره في رسم ملامح نظام دولي جديد، بما يجعل منه لاحقاً نقطة تحول في تاريخ العلاقات الدولية والنظم السياسية القائمة، وعن مدى إمكانية اعتبار أحداث 11 سبتمبر/ أيلول علامة فارقة في التاريخ. ويطرح إزاء ذلك وجهتي نظر تتبنى أولاهما موقفاً تمجيدياً لتلك الأحداث بحيث أن 11 سبتمبر 2001 « يمكن أن يشكل قطيعة كاملة مع ما سبقه، وأن أي تطور في مجال العلاقات الدولية لا يمكن أن يفهم من دون أخذه بالاعتبار وتحليل مضامينه العديدة والعميقة». فيما يرى فريق آخر من المحليين أن الأهمية الاستثنائية لذلك الحدث، والذي تحول إلى مؤشر قطيعة بين حقبتين «ينبع من منطق الدعاية والإثارة والمبالغة، المقصودة أحياناَ، من قبل الولايات المتحدة وبعض الدول التي تحاول توظيفه لخدمة استراتيجيتها الخاصة، وفرض جدول أعمالها على المنظومة الدولية 
اوكانت البداية لما يسمى بفزاعة (((( الأرهاب)))) والذي هو في الحقيقية " محاربة الأسلام" أو كما   قال بوش " الحرب الصليبية الجديدة"


التحليل الحدثي والبنيوي لحادث11 سبتمبر 


أولا: النموذج الإستراتيجي: 
توزعت التحليلات التي قدمت لتفسير اتجاهات الخارطة الدولية بعد 11سبتمبر 2001م إلى ثلاثة مسالك متباينة: 
أولها: ذهبت إلى اعتبار الزلزال الذي هز الولايات المتحدة والعالم معها بداية حقبة جديدة من العلاقات الدولية، سَمتُهاَ الأساسُ تقلُّصُ قوة وهيمنة العملاق الغربي في عالم تزايدت بؤر التوتر فيه، وظهرت تحديات أمنية لا تتوفر للقوة العظمى وسائل فعالة لاحتوائها، ومن ثم فإن أحداث 11سبتمبر من هذا المنظور هي هزيمة لفكرة الهيمنة للسياسات الغربية، وبداية علو صوت الجنوب، ولو بالعنف الأعمى والإرهاب المنفلت من كل قيد.(3)
ثانيها: ذهب إلى أن زلزال 11سبتمبر لم يكن نقمة على السياسات الغربية، بل كان على عكس التصور الأول فرصة طال توقعها للقطب الدولي المهيمن للقضاء على البقية الباقية من نغمة الاحتجاج والاعتراض على الاستفراد بالأوضاع الدولية. ويذهب الشطط ببعضهم إلى اعتبار الأحداث مكيدة مدبرة من الدوائر المخابراتية والآمنية لإعداد الأرضية الملائمة لأحكام الهيمنة الغربية على العالم برمته (باختراع) خطر الإرهاب بديلا عن (مملكة الشر الحمراء) المندثرة.(4)
ثالثها: ذهب إلى أن زلزال 11سبتمبر كشف عن انهيار جوهر المعادلة الاستراتيجية الدولية المبنية على فكرة الدولة القومية المحتكرة للعنف وإبطال مفهوم الحرب التقليدية وعقيدة الردع المرتبطة بها. ومن ثم الحديث عن "الحروب اللامتكافئة"، والنظر إلى الإرهاب ليس كظاهرة عنف عدمية وعمياء، وإنما كمؤشر نوعي على قيام رهان استراتيجي جديد تغيرت فيه أساليب وأدوات المواجهة بقدر ما تغيرت الأطراف المكونة لها.(5)
ومن الواضح أن العالم الإسلامي حاضر بقوة في هذه النماذج الثلاثة: فهو الخطر الاستراتيجي الجديد في معادلة تصدع خط الأحادية الأمريكية (حسب النموذج الثاني)، أو هو اللون العقدي والإطار التنظيمي الحي لظاهرة الإرهاب والعنف الراديكالي (حسب النموذج الثالث). والواقع أن توهم مركزية العمل الإسلامي في الرهان الاستراتيجي سواء في شكل تنظيمات أو قوى إقليمية كما الشأن بالنسبة للعراق سابقا أو إيران وسوريا وربما باكستان حاليا يعكس أزمة عميقة في مستوى الفكر الاستراتيجي الذي أضاع مواجهاته وثوابته النظرية، ولم يتمكن بَعْدُ من بناء البراديغمات الملائمة للوضع الدولي الراهن(6). ولست بحاجة إلى التذكير بضحالة النماذج التي قُدِّمَتْ منذ بداية التسعينيات لاستكناه الرهان الاستراتيجي، وأبرزها كما هو معلوم: 
- مقولة نهاية التاريخ، لدى فوكوياما(7)
- مقولة "صراع الحضارات" لدى هنتنغتون(8) التي تجدد لها الاعتبار بعد أحداث 11سبتمبر 2001م.
- مقولة "العصر الوسيط الجديد" التي دافع عنها آلان مينيك(9) ووجدت أصداء واسعة في العديد من الكتابات التي ركزت على أولوية العامل الإثني والعرقي في الصراعات الدولية.


وتقوم هذه العقيدة على مفهوم الحرب الاستباقية والإجهاضية التي تلائم حرب الإرهاب التي تم الإعلان عنها غداة زلزال 11سبتمبر، حتى ولو كانت تقضي في العمق على معايير أسهمت السياسات الغربية بقوة في بلورتها ووضع أُطُرِها المؤسسية.(12)
إن ما يهمنا في هذا السياق هو تحول "الخطر الإسلامي" المتصاعد التركيز عليه في دوائر القرار الأمريكية مع ديناميكية الإرهاب إلى هدف محوري في الاستراتيجية الحربية الأمريكية الجديدة.
ويجدر التنبيه هنا إلى حضور العامل الثقافي بقوة في الرؤية الاستراتيجية الأمريكية الجديدة: ضرورة تصدير النموذج الحضاري الغربي ونمط الحياة الأمريكية شرطاً أوْحَدَ ضروريا لحماية مصالح الولايات المتحدة التي تقتضي فرض مسلك الديمقراطية التعددية والليبرالية الاقتصادية والإصلاح الديني والاجتماعي.(13) وذلك هو مضمون العديد من المبادرات التي اقترحتها الإدارة الأمريكية في الآونة الأخيرة على المنطقة العربية.
أما التحول الثاني فيتعلق ببروز خط تصدع متنام بين المكونات الثلاثة الرئيسية للنظام الدولي (الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا) متمحور حول الملف الإسلامي، وقد تجسد بوضوح خلال حرب العراق الأخيرة التي كشفت عن تباين واضح بين الأطراف المذكورة في إدارة الأزمة الأولى الأساسية من أزمات العالم الإسلامي.
ففي حين تتبنى الدولة الأوروبية منطق الشرعية الدولية بمفهومه الاعتيادي المألوف (احترام سيادة الدول وحصر التدخل العسكري في المظلة الأممية وتقييده بتهديد السلام العالمي) كما تطرح الشراكة المتوسطية إطاراً لعلاقتها بالدائرة العربية الإسلامية- تميل روسيا الغارقة في المستنقع الشيشاني والمقصية من دائرة نفوذها التقليدية في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى إلى تطبيع علاقتها بالمجال الإسلامي لِتتبوَّأ مواقع عجزت عن الوصول إليها خلال الحرب الباردة.
ومن هنا كان موقفها المناهض لحرب العراق، وترشحها للانضمام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، في حين تتأرجح الولايات المتحدة لبناء شراكة جديدة مع البلدان العربية الإسلامية تؤمن في آن واحد ضم هذه البلدان للمواجهة الحاسمة ضد الإرهاب وإصلاح أوضاعها السياسية والاقتصادية والثقافية لاجتثاث جذور الإرهاب ودمجها في المنظومة الدولية.
إن ما نريد أن نبينه فيما وراء هذه الاتجاهات التي أشرنا إليها -هو أن ما كشفت عنه أحداث 11سبتمبر 2001م هو الانفصام القائم بين ثلاث ديناميكيات متجاورة، لكنها متمايزة وأحيانا متصادمة: 
ديناميكية التوسع الرأسمالي (في إطار ظاهرة العولمة بمرتكزاتها التقنية) والاقتصادي، وديناميكية التحول السياسي التي تتخذ طابعا إشكاليّاً، ولئن كان السمة الغالبة عليه تبني الشعار الديمقراطي إلا أن رهانه الفعلي خارج الفضاء الغربي هو معادلة التعددية والاستقرار، أي الخط الهش الفاصل بين مطلبي الانفتاح السياسي المفروض وخطر الانزياح نحو الفتنة المعممة والصراعات الأهلية المدمرة، وديناميكية التمايز الثقافي التي أثارت في الفترة الأخيرة اهتمام الباحثين والدارسين بعد ما بدأت تتضح مؤشرات انفجار الهويات الخصوصية، وظهر تلازمها، واتجاه العولمة ذاته.
إن انفصام هذه الديناميكيات الثلاث هو الذي ولَّد الأزمة النظرية التي أشرنا إليها، وقد كان زلزال 11سبتمبر نقطة تحول مهمة، لعل أثرها الأساسي هو تحول النظر من المعطى الجيوسياسي المحض (العلاقات بين القوى الدولية) والمعطى الاقتصادي الذي بدا مهيمنا في العقد الماضي (صراع التحكم في قلب المنظومة الرأسمالية الموحدة) إلى العامل الثقافي والحضاري الذي غدا مسيطرا على الفكر الاستراتيجي السياسي في الآونة الأخيرة.


النموذج الثقافي
عندما توقع الكاتب الأمريكي الذائع الصيت هنتنغتون "صدام الحضارات" قبل تسع سنوات لم يكن يقصد –كما كرر عدة مرات مؤخراً- انفجارَ وتجذَّرَ ظاهرة الإرهاب والتطرف التي بلغت أوجها في زلزال 11سبتمبر الذي لا يمكن أن يقرأ بصفته عملا حضاريا من أي وجه. فظاهرة الإرهاب –بالنسبة لهنتنغتون - وإن كانت خلفياتها دينية وثقافية إلا أنها لا تعكس رؤية حضارية، ولا تعبر عن موقف قيمي.
ومع ذلك فإن مقولة "الصدام الحضاري" التي راجت كثيراً على ألسنة السياسيين والإعلاميين قد تحولت بالفعل إلى براديغم شائع للقراءة والتحليل، بل أصبحت كذلك نمطاً من الإطار الإيديولوجي للممارسة والفعل لدى طبقة سياسية كاملة، أصبح بعضها في موقع السلطة والقرار، مما ينذر بمخاطر جمة على سلام العالم واستقراره.
ومن المثير أن مقولة هنتنغتون التي لم تكن تختلف لدى طرحها كما رأينا عن غيرها من نماذج الفكر السياسي التي قدمت في العقد الأخير لتحليل طبيعة النظام الدولي الجديد -قد تحمست لها تيارات مناوئة من حيث الخلفية والمرجعية، من بينها المجموعات الأصولية المتشددة في العالم الإسلامي، والتيار القومي اليهودي المتطرف، والإحيانية الإنجيلية الجديدة في الولايات المتحدة الأمريكية، واليمين الراديكالي في أوروبا.
وما يجمع بين هذه التيارات هو الانغلاق والتعصب، وإذا كانت المجموعات المتطرفة في العالم الإسلامي معروفة بما فيه الكفاية، وقد ارتبطت بظاهرة الإرهاب (الداخلي أساساً)- فإنها لم تنجح في الوصول إلى الحكم إلا في أفغانستان خلال فترة حكم طالبان.
ومع أن آليات منطق الديمقراطية تكيف الخطاب السياسي وتقننه في صيغ مقبولة للجميع إلا أنه من البارز حالياً أن التنظيمات الأصولية المتطرفة قد نجحت بصفة متزايدة في اختراق مراكز القرار مما انعكس بصفة جلية في المواقف والقرارات الأخيرة ذات الصلة بالشرق الأوسط، مما يبين أن ما نشهده راهناً هو صدام أصوليات متناوئة، لا يمكن النظر إليه بوصفه صدام حضارات.
ومع ذلك فإن أغلب التحليلات الغربية (على اختلافها في المسلك والخلفية) قد بادرت مباشرة بعد أحداث 11سبتمبر إلى ربط ضربات نيويورك وواشنطن بخلفية ثقافية إسلامية.
ويكفي الاطلاع على الطبعات الأولى للصحف الغربية الكبرى لتبين. فوزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر كتب في مقالة بصحيفة "الواشنطن بوست" (13/9/2001) يقول: إن الهجمات التي تعرضت لها واشنطن ونيويورك حرب حقيقية منظمة ضد نمط الحياة الأمريكي ونظام الحرية القائم عليه.
وفي حين ذهبت في اليوم نفسه صحيفة "لاربليكا" الإيطالية إلى (أن الغرب كله مهدد عبر رموز الحداثة الأمريكية الأكثر تقدماً) اعتبرت (الاندبندنت البريطانية) أن هذه الهجمات هجوم ضد القيم الحضارية للعالم الغربي" ونعتت صحيفة الباييس الإسبانية التفجيرات بأنها حرب على "جوهر حضارتنا السياسية" ولم تشذ "الازفستيا" الروسية عن هذا المنحى، فاستعادت نظرية "هنتنغتون"، وأفاضت القول بعبارات نابية في "المواجهة التي اندلعت بين الإسلام والمسيحية".
أما أسبوعية "لكسبريس" الفرنسية فقد خصصت عددها الذي صدر مباشرة بعد الحدث لما أسمته "الحرب العالمية الثالثة" التي قوامها "الصراع المتجذر والعميق بين القيم الإسلامية والنموذج المسيحي الغربي".
ويمكن أن نقدّم عشرات النماذج من تغطية الصحافة الغربية لزلزال 11سبتمبر في الأشهر الأولى(14) وأغلبها يندرج في السياق ذاته، أي إعطاء ضربة إرهابية لمجموعة ضيقة ومعزولة مضامين حضارية عميقة وتصنيف الحدث العدمي المذكور بصفته صداماً بين نمطي حياة وخلفيتين ثقافيتين.
وإذا تجاوزنا المستويين الأولين: أي السياسي والإعلامي- نلمس أن هذا الوهم لم تسلم منه الشخصيات الفكرية المرموقة وبعض كبار المتخصصين في الدراسات الإسلامية. ويذهل المراقب المطلع لعدد الكتب والمؤلفات التي صدرت بكثافة خلال العامين الأخيرين باللغات الأساسية حول الإسلام والغرب من المنظور الثقافي من وحي زلزال 11سبتمبر.

 العرب وعالم ما بعد 11 سبتمبر


في هذه المناورة الإستراتيجية الكبرى «قدر للعالم العربي أن يمثل دور المسرح الرئيسي للعمليات»، وأن يكون احتلال العراق وإسقاط النظام العراقي المدخل إلى إعادة ترتيب الشرق الأوسط. وعلى الرغم من المحاولات السياسية والإعلامية التي سبقت الحرب لضمان التغطية السياسية العربية للحرب على العراق، إلا أن الولايات المتحدة لم تكن واثقة من حلفائها العرب ولا معنية بكسبهم إلى جانبها، بقدر ما كانت معنية بتطويعهم وإخضاعهم لإرادتها، وتجاوز السياسة الأمريكية التقليدية حيال العالم العربي من الاحتواء إلى التطويع القسري، وبالقوة إن لزم الأمر. وهو الخطأ الإستراتيجي القاتل الذي وقع فيه العرب، حسب وجهة نظر المؤلف، عندما اعتقدوا أن هجمات أيلول سوف تضعف من الهيمنة والعنجهية الأمريكية، وسوف تدفعها للتحالف معهم، فيما اتضح أن تلك الأحداث دفعت، ودونما رجعة، بذلك الصلف والغرور الأمريكي بالتفوق والهيمنة إلى مداه، ابتداء من الدول التي جاء منها منفذو العمليات. وهو الأمر الذي أوقع النظام السياسي الرسمي العربي في ضياع وتخبط، معتمداًَ سياسة «العطالة التامة والانتظار»، حيال أي تحرك أو موقف أمريكي في موقف لا يخلو من عيالة سياسية على الولايات المتحدة. 
ويرصد المؤلف «السمات التي ميزت موقف القيادات العربية في أزمة 11 أيلول»، فيشير إلى ثلاث سمات: تتعلق الأولى برد التهمة مع التشكيك بهوية الفاعل، وأحياناً بقدرة تنظيم عربي على القيام بمثل هذا العمل الجبار، والتبرؤ تالياً من المسؤولية في أي صورة كانت، وانتحال موقف الضحية المماثلة للإرهاب. وأخيراً، الاعتقاد بإمكانية استثمار نتائج الأزمة في سبيل انتزاع مواقف إيجابية تجاه القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
ويركز الكتاب بعد ذلك على تحليل المسؤولية التي يتحملها النظام السياسي العربي حيال أحداث سبتمبر، ودوره في صياغة ثقافة العنف والاستبداد والتسلط والقهر والإرهاب، التي أفرزت مجتمعات مغلقة ومشربة بالقهر والعنف والإكراه. دون أن ينفي الدور الأمريكي في سياق ذلك من خلال دعمها المتواصل والمستمر لتلك الأنظمة وللكيان الصهيوني في المنطقة.
ويخلص الكتاب في نهاية المطاف إلى التأكيد على قيم حقبة العولمة أو التواصل المتنامي بين الفضاءات السياسية والثقافية، وهو أنه لم يعد هناك أمل لأي دولة أو أمة في الحفاظ على وجودها أو استقلالها أو سيادتها دون الانتقال إلى مفهوم الشراكة، وتحمل جزء من المسؤولية الجماعية، بحيث أنه كلما زاد حجم شراكتها ومسؤوليتها في تحمل التبعات العولمية، وقدرتها على تحقيق انسجام مقبول مع مصالح المجموعة الدولية، كلما اكتسبت تلك الدولة أو الأمة مزيداً من الحرية والسيادة والمكانة المرموقة.
ويحدد في سياق ذلك ثلاثة أبعاد أو وجوه للمسؤولية السياسية الجماعية التي ينبغي تكوينها: الأول منها داخلي، يتعلق بمسؤولية النخب أو الطبقة السياسية تجاه المسائل التي تتعلق بتسيير البلاد وحسن إدارتها لمواردها. والبعد الثاني هو المستوى الإقليمي، ودور هذه النظم أو النخب السياسية، إن جاز لنا التعبير، في بناء نظام سياسي إقليمي يكفل حداً أدنى من التعاون والتكافل بين دول المنطقة. والمستوى الثالث هو المستوى السياسي الأخلاقي الدولي، ومدى قدرة تلك النخب الحاكمة على الارتفاع إلى مستوى القيم والمبادئ الأخلاقية لخدمة الأهداف الإنسانية. مهدداً بفقد صدقية الدول العربية وشرعيتها حتى في المنظور الدولي إذا فشلت في تحقيق الأبعاد الثلاثة للمسؤولية السياسية المطروحة، أو لم تتخل عن العطالة والعجز السياسيين الذين رافقا مسيرة النظام السياسي العربي في الآونة الأخيرة

الخاتمة



 بناء على ذلك قامت عندهم فكرة القيادة العالمية، وعبر عنها بفلسفات ونظريات في العلاقات الدولية تمجد القوة والسيطرة «نهاية التاريخ، انتصار الليبرالية، صدام الحضارات». وقد كانت حرب الخليج عام 1991 إحدى أولى تجليات هذا النزوع التاريخي للسيطرة العالمية لأمريكا لملء الفراغ الذي أحدثه غياب الاتحاد السوفيتي. ويستعرض بعد ذلك المؤلف سلسلة من المواقف والقرارات التي اتخذتها الولايات المتحدة وكرستها خدمة لمشروعها الإمبراطوري وتجسيداً له.
وفي محاولة منها لتجنب استنزاف القوة التقنية والعسكرية والاقتصادية في مشكلات وأزمات داخلية، دعمت مراكز القوى في أمريكا المرشح الجمهوري للتركيز على محور الأمن القومي على حساب المحور الاقتصادي، وبدا أن الحفاظ على التفوق الأمريكي يعني ضرورة مواجهة العالم، واتخاذ مواقف خاصة مرتبطة بالمصالح الأمريكية، ولو كانت على حساب القرارات والقوانين والشرائع الدولية.
ويبين الكتاب أثرين متناقضين لهجوم أيلول 2001، يتجلى الأول في «إضفاء نوع من المشروعية على عملية الاستفراد بالسياسة العالمية من قبل الولايات المتحدة....، والثاني وهو الأهم معاكس لذلك... أظهر هشاشة إستراتيجية الولايات المتحدة الأمنية وضعفها، كما أظهر حدود التفوق الذي تتمتع به». ودشن بذلك 11 أيلول 2001 الحرب الأمريكية الجديدة تحت مسمى (محاربة الإرهاب)، وهي في مضمونها حرب لفرض السيطرة الأمريكية ونفوذها على العالم وإعلان ولادة الإمبراطورية الجديدة، متجسدة بالحروب على كل من (أفغانستان والعراق)، وبالذات حربها الأخيرة على العراق عام 2003 التي نسفت بها أمريكا الأسس الدولية لقيام أي تحالف عالمي شأن حربها الأولى عام 1991م، وبدا جلياً نزوعها لتكريس سطوتها ونفوذها من خلال الانفراد باتخاذ قرار شن الحرب.
وكي تكتسب هذه السيطرة الإمبراطورية نوعاً من المشروعية، حرصت الإدارة الأمريكية على استمراريتها وتلقائيتها من خلال تبني مبدأ (الحرب الاستباقية)، ورفض أي محاولة لتعريف (الإرهاب) الذي تحارب تحت شعاره أمريكا في العالم للقضاء عليه. «فالإرهاب هو الاسم الجديد لحرب السيطرة الكونية والمبرر الأساسي لها»، وتم تحييد الحلفاء (الاتحاد الأوروبي) والغرماء (روسيا والصين) على حد سواء. واعتبرت الولايات المتحدة أن «لتصفية المسألة الفلسطينية دوراً كبيراً في خطة توطيد السيطرة الأمريكية، من حيث أنها ترمز للقضاء على المقاومة العربية والإسلامية، وما تمثله في نظر اليمين الغربي من رفض الخطط والمخططات الغربية، ومن تمرد روح الحضارة العربية والإسلامية على الحضارة الغربية»، وهو ما فسر حرص القيادة الأمريكية على إيلاء الاهتمام الإعلامي لهذه القضية بالذات، في الوقت الذي أطلقت فيه يد شارون ويمينه الداعم لتمرير سياسات التصفية والقتل الممارسة بحق الشعب الفلسطيني.

المراجع
اعداد مصطفى السيد

د.أسعدالدندشلي فوكوياما: بداية التاريخ ونهايته

 محمد شكري سلام  أطروحة نهاية التاريخ بين الفلسفة والإيديولوجيـا

هشام منور المشهد السياسي العربي بعد 11 أيلول/ سبتمبر

عبدالله السيد ولد أباه الخطاب الغربي حول الإسلام بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م 


مولاي المصطفى البرجاوي نهاية التاريخ أم بداية تداعي الإمبراطورية الأمريكية..؟!




 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق